Home |  Elder Rights |  Health |  Pension Watch |  Rural Aging |  Armed Conflict |  Aging Watch at the UN  

  SEARCH SUBSCRIBE  
 

Mission  |  Contact Us  |  Internships  |    

        

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المسنون العرب.. قصصهم متشابهة ومعاناتهم مشتركة



منية الوزاني ـ دينا سليمان ، المجلة

العربية السعودية

17/04/2005


شهدت المجتمعات العربية خلال النصف قرن الاخير جملة من المتغيرات والتطورات التي مست بنيتها وأثرت بشكل كبير على العلاقات بين السكان ونمط حياتهم، وبالطبع لم تبق الأسرة العربية بمعزل عن تلك التغييرات، اذ شهدت بدورها تغيرا مهما مس طبيعة العلاقات داخل الاسرة الواحدة، اثر بشكل خاص على الامتداد الأسري الذي كان سائدا في كل الاسر العربية، وذلك بانتقال الاسرة العربية من اسرة ممتدة، يقطن فيها الابن الحديث الزواج مع والديه مكونا بذلك اسرة كبيرة تتعايش في بيت واحد، الى اسرة نووية تتشكل من الأب والأم والأبناء مع انتقال هؤلاء الاخيرين الى بيت مستقل بعد زواجهم ذكورا كانوا او اناثا، غير ان هذا التغير الملحوظ لم تصاحبه الاستجابة للمتطلبات الحديثة، ومنها الاعتناء بالآباء والاهتمام بهم بشكل يحول دون اهمالهم وبقائهم وحيدين بعد زواج الابناء وتقاعدهم عن العمل.
من هنا نحاول ان نطرق ابواب المسنين لرصد واقعهم، وهل يعيشون بالفعل في فراغ ووحدة قاتلين، ام انهم استطاعوا ايجاد ادوار جديدة في الحياة تعوضهم عن ادوارهم السابقة في تربية الابناء والعمل، وهل بالفعل لا تملك هذه الفئة العمرية الكثير مما تعطيه، ام ان تعامل المجتمع العربي معهم وتهميشهم لطاقتهم وقدراتهم وتجاربهم هو الذي خلق منهم طاقات غير صالحة للاستغلال؟ ولماذا انتشرت دور رعاية المسنين في المجتمعات العربية، وبدت كظاهرة عادية قبلها المجتمع بعد ان كان دفء العائلة يغمر الجميع؟ وكيف يمكن ان يعيش المسن ويقضي ايامه في هذه الدور؟.. وماذا عن دور الدولة ومؤسسات المجتمع تجاه المسنين؟.. وما هو دور الاعلام للتعريف بهذا الواقع والمساهمة في البحث عن حلول واقعية.

الواقع يقول
لنطالع بعض الاحصاءات والارقام التي قد تساعدنا في القاء الضوء على واقع ظاهرة المسنين في المجتمعات العربية، ولنبدأ بالسعودية، فقد اشارت وزارة التخطيط، في السعودية في احدث احصائية لها عام 2005، الى زيادة اعداد المسنين في السعودية ممن بلغت اعمارهم 60 عاما فأكثر الى ما يقارب الـ 700 الف مسن من الذكور والاناث، وأكدت انه توجد حاليا عشر دور لرعاية المسنين والمسنات، موزعة على ارجاء السعودية في كل من (الرياض، عنيزة، وادي الدواسر، الدمام، الجوف، المدينة المنورة، ابها، مكة المكرمة، الطائف).
الجدير بالذكر ان اكثر من %90 من نزلاء ونزيلات هذه الدور هم من الاشخاص الذين لا يوجد لهم ابناء او اقارب او ارحام، وهؤلاء لا يمثلون نسبة كبيرة قياسا بنسبة السكان في المجتمع السعودي المترابط ومقارنة بغيره من المجتمعات العربية، والذي ينطلق في ترابطه وتماسكه الاسري من تعليمات ديننا الاسلامي الحنيف الذي يحث على البر بالوالدين والاحسان اليهما.
واذا كان هذا هو الحال في السعودية، فإن الامر يختلف في مصر، حيث يصل عدد دور رعاية المسنين الى 2000 دار تضم الدار الواحدة بين 50 ـ 100 نزيل، يتعرضون للنقص والزيادة وفقا لمعدلات وفاة او مغادرة او حلول «نزيل» جديد بنسبة %5.
اما في الاردن، فقد تم اعتماد سن الشيخوخة 60 سنة فما فوق، وقد قدرت مصادر الامم المتحدة للمسنين في الاردن ان تعداد المسنين فيها بلغ %7.4 من السكان طبقا لاحصاء عام 2000، مع انه كان %4.7 عام 1990، وهو ما يؤكد تزايد نسبة المسنين في هذا القطر العربي الذي لا يختلف كثيرا عن غيره من المجتمعات في المجالات الاجتماعية.
وفي المغرب كشف الاحصاء العام للسكان الذي شهده المغرب اخيرا عن تراجع ملحوظ في نسب النمو الديموغرافي نتيجة لسياسة تحديد النسل التي شجعتها الدولة منذ سنوات وتزايد صعوبة ظروف العيش، وكان من النتائج الطبيعية لهذا الانخفاض في النمو الديموغرافي تزايد في عدد المسنين، فقد انخفض مستوى النمو في العشر سنوات الاخيرة من %2.1 الى %1.4 ومن المتوقع ان يتزايد عدد المسنين في السنوات العشر المقبلة بشكل ملحوظ. ففي الوقت الذي لم تسجل فيه نسبة الاشخاص الذين يتجاوز عمرهم 65 سنة بالمغرب، عام 1994، سوى %4 بما قدره مليون و158 الف نسمة، ارتفع هذا العدد الى مليون و984 الف نسمة، ومن المتوقع ان يصل مع حلول عام 2010 الى ما يناهز مليونين و 81 ألف نسمة والى حوالي 9 ملايين و487 الف نسمة مع حلول عام 2020.

محوران أساسيان
ما سبق يؤكد ان هناك محورين اساسيين الاول هو زيادة عدد دور المسنين في الدول العربية وهو ما لم تتعود عليه هذه الدول، والثاني هو سبب للاول وهو تزايد اعداد المسنين، وحري بنا اولا ان نتعرض الى احدى الدراسات الحديثة في هذا الشأن، التي أكدت ان الاحساس بالاكتئاب والحزن الشديد شعور طبيعي يحدث بشكل نسبي عند بعض المسنين، خاصة عندما يفقدون احباءهم، او اشخاصا ارتبطوا بهم، كوفاة شريك الحياة، وما ينتج عن ذلك من وضع جديد، وهو الارمل او الارملة، وهذا الدور صعب وقاس وغير مرغوب فيه، اذ يؤدي الى حدوث اوضاع جديدة سوداوية اللون تتسم بفقدان المودة والالفة، ويحل محلهما الالم والوحدة، فالمظهر الاجتماعي المميز لمرحلة الشيخوخة، بات في العزلة والوحدة والضعف البدني الذي يعتريه بروز مشكلة الصدام بين كبار السن والابناء والاحفاد، والخضوع والتبعية بعد السلطة والسيادة، ويصبح الاولاد في مراكز اجتماعية اعلى من الوالدين فيتعالون عليهم، وقد يتنكرون لهم ويتهربون من اصطحابهم في المناسبات الاجتماعية.
واذا رجعنا الى الدين، لوجدنا جميع الديانات السماوية، تحثنا على تكريم الابوين في كبرهما وضعفهما، لما بذلوه من عطاء وقدموا لأمتهم من اعمال وجهود خيرة. لذا حض الاسلام على ألا يتطاول احد على كبار السن استكبارا او يمسهم بما يخدش حسهم وشعورهم، وقد روى الترمذي عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «ما اكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه».

دار المسنين خير من الوحدة
لكن ما الذي يدفع المسن الى الذهاب الى دور الرعاية وتفضيلها على الحياة بالخارج؟
يحدثنا الدكتور احمد زايد استاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان قائلا: في حالات من لا مأوى لهم ولا سند ولا نصير، تصبح دور المسنين افضل علاج لكبار السن، وهذا ليس معناه ان يطرد الابناء آباءهم دون وازع من دين، يطردونهم وهم يشاهدون آخر مراحلهم في الدنيا، هؤلاء ينبغي ان نتصدى لهم بحزم، ويبدو لي ان الظروف الاجتماعية السيئة التي يمر بها العديد من الدول العربية هي التي جعلت فكرة دور المسنين متقبلة في الذهن، وقديما كان التكافل الاجتماعي امرا دينيا يقي المجتمع من عادات كثيرة افتقدناها في هذه الايام.
ويضيف: ان الابناء عليهم ان يضعوا انفسهم مكان آبائهم وان يتذكروا ان الايام ستدور عليهم، ويكونون في موضعهم، فمن منا يقبل ان يضعه ابناؤه في دور المسنين وسط الاحساس بالقهر والذل والخيانة من الابناء، ولكن على المسن ألا يفقد الامل وان يكون قويا ومتماسكا امام عقوق الابناء، وعليه كذلك ان يعيد ترتيب اوراقه، وان يعتبر هذه مرحلة جديدة من مراحل الحياة، وألا يشعر بالندم او العجز امام ظروف الواقع.
اما الدكتور محمد الراوي من اساتذة الازهر فيقول: ان مجتمعاتنا العربية صارت مليئة بالمتناقضات، ففي الوقت الذي ندعو فيه الى تكريم المسنين نشاهد ازديادا في دور رعايتهم، وكأن تكريمهم لا يكون إلا ببناء مزيد من دور الرعاية، مع ان القرآن الكريم يذكر التوحيد مقترنا بأمر طاعة الوالدين في مواضع متعددة (ألا تعبدوا إلا اياه وبالوالدين احسانا)، (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا)، ويقول تعالى: (قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا)، والامر ليس مقصورا على الاسلام وحده، بل في كافة الاديان.

قصص مؤلمة
لا شك ان وراء كل مسن داخل دور رعاية المسنين قصة، هذه القصص قد تفسر لنا لماذا يلجأ المسن الى هذه الدور ويفضلها على الحياة بالخارج.
تقول «يسرية شرف» ـ 74 سنة ـ نزيلة احدى دور المسنين بالقاهرة: زوجي لا يزال على قيد الحياة، ولي اربعة ابناء، لكل منهم حياته الخاصة المستقلة، ونظرا للوحدة التي عانيتها مع زوجي بعد رحيل ابنائنا وانشغالهم، وتزايد حدة المرض والشعور بالوحدة، قررت ان اترك زوجي واقيم في هذه الدار، خاصة انني فشلت في الحصول على خادمة امينة ومطيعة، وهنا تأقلمت مع جميع النزلاء، وانا سعيدة بالحياة هنا، فأنا اجد ناسا اتحدث معهم ويسألون عني وعن صحتي ومشاكلي.
وتضيف: إلا انني اتساءل: لماذا لا تفكر حكومات الدول المختلفة في استثمار خبرات المسن، فإن لدينا خبرات كثيرة في العديد من المجالات، وابسط مثال على ذلك اميركا، حيث يتم الاستفادة من خبرات المسن من خلال عمله كجليس اطفال او حتى يكون مسؤولا عن الاطفال في مراحل متقدمة من العمر في المدارس ودور رعاية الاطفال، حيث يقص لهم القصص ويحكي لهم الحكايات عن تاريخ بلادهم او اي شيء مفيد، وكبار السن هم اصلح الناس لهذه المهمة.
عبد القادر فوزي ـ 85 سنة ـ يحكي: حضرت الى هذه الدار انا وزوجتي بعد زواج ابنتنا الوحيدة وانشغالها بالعمل وبتربية اطفالها، وابنتنا هي التي دبرت لنا اجراءات الاقامة في الدار، لأنها لا تستطيع ان ترعانا وتعمل وتربي اطفالها، ونحن لم نغضب منها، لأننا نعلم جيدا مدى انشغالها نظرا لصعوبة المعيشة وحقيقة انني اجد هنا من يخدمني ويرعاني ويسأل عني، بدلا من الحياة بين اربعة جدران لمواجهة اشباح الوحدة والاكتئاب واوقات الفراغ القاتلة التي لا تنتهي.
عبده علي سليمان ـ 65 سنة ـ يحكي لنا قصته والدموع في عينيه: لي ثلاث بنات وولدان، تركت العمل ومعي من المال ما يكفيني، فلم تكن مشكلتي هي المال، الى ان اصبت بانفصال في الشبكية لم اعد بعده استطيع الرؤية، طلبت من بناتي الثلاث المتزوجات ان تأتي واحدة منهن كل اسبوع كي تقوم على خدمتي، فرفضن وادعين انهن لا يطقن دخول الشقة بعد وفاة والدتهن، فماذا افعل؟ ألست أبا لهن؟ كان لا بد من اتخاذ قرار، وبالفعل قررت اغلاق المنزل والحضور الى الدار، والآن هن لا يزرنني ورغم ذلك فأنا اذهب اليهن متناسيا كل شيء، فهن بناتي وفلذة كبدي، مهما فعلن.

تغيير ثقافة المجتمع
الدكتورة عزة كريم استاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية بالقاهرة، تؤكد ان المسن ليس عالة على المجتمع، وما يحتاجه هو تغيير ثقافة المجتمع تجاه المسن والنظر اليه كانسان يدخل في مرحلة عمرية جديدة، وهذه المرحلة يصل اليها اي شخص، وبالتالي يجب ان تنظم بشكل جيد وان تكون هناك برامج خاصة تهدف الى تغيير ثقافة المجتمع تجاه المسن وتأمين الحياة الكريمة اللائقة له، وامكانية الاستفادة من الخبرة التراكمية له، اما عن طريق الاستشارة، او تشجيعه على الدخول في اعمال تتلاءم مع ظروفه، ومن هنا يمكن ان تكون سنوات المعاش «السنوات الذهبية» في عمر الانسان.
والمسن او كبير السن لا يحتاج الى المساعدة والرعاية بقدر ما يحتاج الى اظهار احتياجنا له ورغبتنا في مشاركته لنا بفاعلية في مختلف نواحي الحياة، واثرائه لحياتنا بخبراته وقدراته.
ويضيف د. سيد علم الدين استاذ علم الاجتماع، ان الكثيرين من كبار السن هم كنز الاجيال الشابة، ويجب ان نتعلم على ايديهم، وننظر اليهم على انهم شركاء في التنمية وبناء المجتمع، وقد تكون اهمية وسائل الاعلام في هذا الجانب هي العمل على توجيه خطاب اعلامي يهدف الى تغيير النظرة للمسنين.
زواج الونس هي فكرة جريئة نفذتها احدى جمعيات رعاية المسنين بالقاهرة، وذلك في محاولة لتجديد حياة المسنين من الذين رحلت عنهم زوجاتهم او ازواجهن.
التقينا الدكتورة سوسن عثمان رئيسة الجمعية ونائبة رئيس المنظمة العربية للاسرة، حيث اشارت على ان فكرة انشاء جمعية لتزويج المسنين بعد رحيل شريك العمر، هي فكرة جريئة وجديدة على مجتمعاتنا العربية، لكنها فكرة انسانية في المقام الاول، لمحاولة غرس بذور الامل والتفاؤل في نفوس المسنين وانقاذهم من الوحدة التي تهدد حياتهم بعد الخروج للمعاش، وزواج الابناء او هجرتهم، وقد طبقت هذه الفكرة في العديد من الدول الاوروبية في اندية المسنين ولكن ـ لا انكر ـ ان الفكرة جديدة في مصر والدول العربية.
وتضيف: لقد بدأنا في تنفيذ مشروع «رباط الونس» للتوفيق بين كبار السن، حتى لا يصبحون عالة على ابنائهم، وقد لاحظنا ان هناك اقبالا على هذا الزواج، بالرغم من معارضة بعض الابناء احيانا، ولكن هذا الزواج لا يحرمه الشرع والدين.
وعن شروط المتقدم لهذا الزواج، تقول د. سوسن: ان الجمعية تضع شروطا يجب ان تكون متوفرة لدى المسن الذي يرغب في الزواج، فلا بد ان يكون لديه مصدر للدخل وشقة للاقامة، وان يقدم ما يثبت انه مطلق او ارمل، وألا يقل عمر العروس عن 50 سنة، والعريس 60 سنة فأكثر.
وتؤكد رئيسة الجمعية ان الابناء في البداية كانوا ينظرون الى هذا الزواج وكأنه فضيحة وعار لهم، لكن بالتدريج بدأ البعض يقتنع بالفكرة، خاصة مع ارتفاع اعداد الارامل من الرجال والنساء الذين فقدوا شريك الحياة في رحلة العمر، والآن هناك نسبة اقبال كبيرة جدا تتعدى العشرين حالة شهريا، إلا ان نسبة اقبال الرجال اكثر من النساء، وذلك لرهبة النساء من الارتباط مرة اخرى.
وتقول د. سوسن: يتقدم المسن بطلب يضع فيه الشروط التي يرغب في توافرها في الطرف الآخر، ثم بعد ذلك يجلس مع الاختصاصية الاجتماعية التي تطرح عليه مجموعة من الاسئلة، ثم تبحث عمن تتوافر فيه هذه الشروط وتعقد بينهما جلسة للتعارف، فاذا حدث وفاق يتم الزواج، واذا لم يحدث نبدأ في البحث من جديد .




Copyright © Global Action on Aging
Terms of Use  |  Privacy Policy  |  Contact Us