"دار الزمن" ومشكلة كبار السن
مها فهد الحجيلان،
الوطن
كويت
3
أغسطس 2008
من الأمور الجميلة في الأعمال الفنية على اختلافها أنها تعكس صورا ثقافية من الواقع أو أنها تقدم على الأقل خيارات محتملة أو متخيلة لواقع معيش على الأرض أو في الذهن. الكثير من الفنانين يضعون المستحيل بوصفه غاية يسعون لتذليلها في أعمالهم، فتظهر لنا أفلام تتكلم عن العوالم الفضائية المتحولة ولوحات تصوّر مخلوقات ذات أجنحة وقرون قد ترمز لجمال مطلق أو شر محض. ولكن أجمل تلك الأعمال الفنية هي التي تحاكي المشكلات الواقعية وتعكس مسيرة الحياة بمنهج مختلف وبنظرة تفاعلية إيجابية وبجرأة مقبولة لا ينقصها الأسلوب الفني الرفيع
وقد جرت العادة في كثير من المسلسلات الخليجية أنها تنتهج أسلوبا مفعما بالسوداوية والشذوذ الاجتماعي لتسليط الضوء على مشكلات نادرة أو غير موجودة في الأساس وتضخيمها بشكل درامي للغاية، حتى تتحول تلك المشكلات من كونها محدودة إلى أن تصبح موجودة في كثير من المنازل بفعل محاكاة بعض المشاهدين لما يجري في تلك المسلسلات. ولافتقارنا إلى استطلاعات الرأي الدقيقة فإن الناس يعتمدون على تقديرات حدسية حسب ما ينشر في وسائل الإعلام، فيلاحظ من خلالها استحضار بعض العوائل لمشكلات مأخوذة من المسلسلات الخليجية وخاصة ما يتعلق بالتعامل مع الزوج أو مع الحماة أو طريقة تدبير المصاريف المالية وغيرها من القضايا التي يجدها المشاهد ملتصقة بحياته بشكل مشابه
وفي مقابل هذا الكم الكبير من المسلسلات الخليجية ذات الطابع التراجيدي، نجد أن هناك مسلسلا جديدا له رؤية مختلفة وفكرة ذات أبعاد إيجابية يعرض هذه الأيام، ويتوقع أن يحظى باهتمام وتأثير لدى المشاهدين. إنه مسلسل "دار الزمن" الذي كتبته الفنانة الكويتية القديرة سعاد عبدالله، وركزت فيه على مشكلة كبار السن في المجتمع الخليجي الحديث حيث يشعر الكثير من كبار السن أنهم بالفعل أصبحوا عبئاً ثقيلا على أبنائهم الذين قد يتقبلون العناية بهم برحابة صدر رغبة في كسب رضاهم أو من أجل الحصول على المثوبة من الله، وهناك من يهتم بهم على مضض، أو ينبذهم تماما. وفي جميع الحالات فإن الشعور بالثقل على الأبناء الذين في الغالب لهم عوائلهم الخاصة هو شعور واقعي ويختلف من شخص إلى آخر وفق الظروف الخاصة التي تحيط به وكذلك تبعا لشخصيته
الجديد في "دار الزمن" أنه يطرح فكرة إبداعية وإيجابية تبعث على التفاؤل وحب الحياة وتكشف عن أساليب مناسبة للتعامل مع ضغوط الحياة ومتطلباتها بمرح وحيوية؛ فليس هناك محاكمة للأبناء وليس ثمة وصم لهم بأنهم "عاقون" ولا محاولة لفرض الرعاية عليهم بغض النظر عن ظروفهم واستعدادهم وتمكنهم من ذلك أو عدمه. بل هناك محاولة لعرض فكرة عناية كبار السن بأنفسهم وتعليمهم كيفية الاستمتاع بالحياة وربما الوقوع في حبها لأول مرة بعد سنين التعب والتربية
من المستغرب على ثقافتنا الخليجية التقليدية أن يعيش كبار السن بعيدا عن أبنائهم وذلك لأسباب دينية واجتماعية، ولكن عادة ما يكون بعض كبار السن ثقلا معنويا وماديا على أهلهم. ورغم أن الكثير من الأبناء مازال يراعي هذه التغيرات الفسيولوجية المصاحبة لتقدم العمر لكن قد تظهر مشاكل عائلية لأسباب مختلفة بسبب الإرهاق أو العناء الذي لانهاية له لرعاية قد لاتكون مجدية. ومن هنا تأتي أطروحة مسلسل "دار الزمن" التي تعد جديدة على ثقافة محافظة حينما قدمت أسلوب حياة مختلفاً ومريحاً لجميع الأطراف بحيث يشعر كبير السن بأنه سعيد ومستقل وربما يجد نفسه جذابا ويرى ذاته في علاقة تفاعلية إيجابية مع بيئته الخاصة
إن المثير ليس فقط هو أسلوب التعامل مع مشكلة اجتماعية بأسلوب مختلف وإيجابي، بل كذلك تقديم فكرة معالجة المشكلة بطريقة بناءة، فنجد أن شخصية الفنانة سعاد عبدالله تقوم بدور أم تعاني من اغتراب ابنها في أفريقيا وبدلا من اتباع الطريقة التقليدية في التعامل مع هذه الحالة بالجلوس بين أربعة حيطان وبكائها على حظها العاثر الذي جعلها تبقى وحيدة وتعيسة، ثم إزعاج ابنها بكثرة الاتصالات وما يصاحبها من أنين وولولة ومكالمته بالعودة..إلخ، فإنها فكرت في عمل مشروع تقدّمي يحل مشكلة اجتماعية خاصة بها وبغيرها وكذلك يشغلها عن المشاعر السلبية التي قد تنهكها. ولهذا نجدها امرأة حيوية متفائلة تصحو كل يوم ولديها أفكار عمل إيجابية لخدمة نفسها وخدمة مجتمعها والقضاء على الفراغ الروحي والشعور بالوحدة الذي تعاني منه من تمر بمثل حالها؛ ولهذا فإنها تكون خير عون لابنها في بناء حياة مستقلة ناجحة ليس فقط في دعمها المعنوي له بل في كونها تمثل نموذجا ناجحا مؤمنا بقيمة الحياة وبالعمل الذاتي
وعلى أي حال، فالملاحظ في طبيعة كبار السن في مجتمعنا مقارنة بكبار السن من ثقافات أخرى أن الناس لدينا تهرم بسرعة وربما تشيخ معنويا قبل دخولها مرحلة الشيخوخة الفعلية، بل إنه لربما وجدنا من يتعمّد أن يكبّر نفسه ويدّعي المرض والتعب وكأنه بالفعل عجوز هرم وذلك لكي ينعم بالراحة فيسلم بعد ذلك أمور المنزل لأولاده المراهقين قليلي الخبرة. وإن افترضنا وجود من لا يؤمن بالشيخوخة بوصفها نهاية العمر بل استمرار لحياة جميلة ذات مذاق خاص فنجده يميل للرياضة والمرح والعمل فإنه قد يواجه بالاستهجان من المجتمع الذي قد يتهمه "بخفة العقل" أو "الجنون" وغير ذلك، وكأن الشخص لدينا إن تعدى سنا معينة وجب عليه أن يجلس على الأرض مترقبا ساعة نهايته. وعلى النقيض من ذلك نجد الكثير من كبار السن في البلدان الغربية يعيشون حياتهم بنشاط حتى كأن أحدهم ينافس بها حماس الشباب وعنفوانهم
أعتقد أن المشكلة ليست في الشيخوخة لأنها مرحلة حتمية ذات عوارض أساسية مشتركة ولكن الإشكالية هي في مفهوم الثقافة لكبر السن وطبيعة دور كبار السن في المجتمع وطبيعة العلاقة بين المرأة أو الرجل الكبير في السن وبين أولادهم وذويهم
More
Information on World Elder Rights Issues
Copyright © Global Action on Aging
Terms of Use |
Privacy Policy | Contact
Us
|