بركات العفيشات... شاعر له من الاحفاد 24 وفخور بهم
الرأي
02
فبراير 2009
الأمرات
يأتي الحديث عن الشعر وعذوبته في قائمة اهتمامات كبار السن منذ القدم، وتأتي بيئة الشعر القديمة وهي تحمل أروع أحاديث السمر خصوصاً بين الشعراء الرائعين الذين طالما اثروا موروثنا الشعبي بقصائدهم
كبار السن وهم بهذا النهج، يصورون لنا مدى حبهم الصادق لمقومات بيئتهم ومنها الشعر وروعته بما يحمله من أفراحهم وآلامهم وآهاتهم، بل ومجتمعهم، ولذلك عندما يقرأون وهم كذلك، نجد أنهم يعبرون بكل تلقائية وشفافية وحميميتهم التي عرفوا بها.
في أحاديثهم تلك تتراءى أمامنا صورتهم الرائعة وهم يجتمعون في ديوانياتهم مساءً ليقضوا أجمل أوقاتهم بالأحاديث الطريفة والشيقة وفي حل مشاكلهم والتشاور في أمورهم، ولكن يبقى هناك شيء هام هو حديث المشاعر الذي يغلفهم، والذي من خلالها يترجمون أحاسيسهم بينهم شعراً وشكوى عذبة تصل إلى القلب، ولذلك وجدنا شعرهم وهو يأخذنا إلى عالم من الإحساس المتفرد، بل وجدناهم شعراء أصبحت قصائدهم بعذوبتها تلك حديث المجالس بقصصهم ورواياتهم العاطفية الصادقة.
العفو عند المقدرة ، والصبر عند المصيبة
بركات أحمد سالم العفيشات العجارمة من مواليد ناعور عام 1933شاعر بدوي سكنه الشعر طفلا وفجره قبل 16 عاما متأثرا بحادث سير أودى بحياة زوجته أم فائق يرحمها الله قال فيها:
يوم الأثنين بخافقي هبت النار
أوجس سناها ساري بكل عرجي
يوم وليفي زم كرت العلاجي
ودعتها وقلب المعذب يرجّي
وحسيت إني بالمقادير ادري
بعين الفراسة صارما أخفاه خلجي
سيل السعادة أحرف الموت مجراه
وعرش السعادة بالعواصف يضجيّ عرس
نحضر له وحزن اعترض بيه
وفرحة تلاشت والسعادة تهجيّ
العمر لحظة وكل منّا حساب
ويا حظ من إله عند ربه مُنجي
زوجتي الأولى كان لها مراجعة في يوم اثنين الساعة السابعة صباحاً في المدينة الطبية، فأخذت أوراقها وقالت بأنها لن تتأخر حيث أنها تنوي حضور حنة العروس، فذهبت وطال غيابها وغابت الشمس ولم تأت، وبعد المغرب جاءني اتصال من مكتب تكسي، وقالوا لي بأن زوجتي حصل معها حادث وأن مكتب جبل نزال هم الذين أخبروهم بذلك، حيث ان السائق لديه تكسي وهذا التاكسي من أحد مكاتب جبل نزال، وأخبرني مكتب جبل نزال أن زوجتي موجودة الآن في المدينة الطبية ، فذهبت أنا وابن شقيقي وهو طبيب إلى المدينة الطبية ، وكانت مستيقظة حينها، وعندما سأل ابن شقيقي أحد الأطباء عن الحالة قال له بأن لديها 15 كسرا، منها 8 كسور في الجمجمة وكسرين في العامود الفقري حيث أن السيارة صعدت عليها عندما ضربتها، وبقيت 48 ساعة في المستشفى وبعدها ماتت يرحمها الله.
كنت حريصا على عدم إعلام أحد حتى لا افسد الفرح حيث عدنا للقرية من المستشفى لنجد الشباب يقومون بعملية الذبح لغداء فرح العرسان ، فطلبت من أهل العريس تجهيز الغداء في وقت مبكر حوالي الساعة 12، دون ان يشعر احد ما أنا عليه حتى بناتي لم أعلمهن حتى انتهاء المراسيم وعندها أخبرتهم بخبر عز على الجميع معرفته.
لا أدري كيف تدفقت مشاعري في يوم وفاتها بقصيدة نشرتها في جريدة شيحان .منذ ذاك الوقت بدأت شاعرا شعبيا وكأنني كنت أدفن في الماضي كنزا لم أشأ ان أعيره انتباها ..
في شيحان نشرت أول قصيدة لي ويا للعجب ان أقرأ قصة تشبهني في نفس الصفحة التي نشرت فيها قصيدتي .. قصة شيخ من بني صخر دهست والده المسن سيارة أثناء سيره في الشارع ،ومن هول الصدمة والرعب لجأ السائق إلى أول بيت صادفه قريب عليه محتميا بأهله ليخبرهم انه دهس شيخا من بني صخر فما كان من صاحب البيت الذي التجأ اليه إلا ان استقبله وهدأ من روعه واصطحبه الى حيث الرجل المدهوس واذ به والده وكان حينها قد فارق الحياة .
السائق زج بالسجن ، لكن أبناء المتوفي الذين سامحوه معتبرين ما حصل قضاء الله وقدره أخبروا الشرطة انهم لن يقوموا بدفن والدهم دون ان يحضر السائق الدفن ومن ثم يعود لبيته .. نعم لقد سامحوه..فالعفو عند المقدرة تماما كالصبر عند المصيبة.
هل إخلاصك لزوجتك منعك من الزواج ثانية ؟
أم الأولاد في القلب ، ولا يعني زواجي من أخرى انني نسيتها، وان كان الله أكرمني بزوجة فاضلة محبة مطيعة تشبه زوجتي في كل شيء أو هي أرادت ان تشبهها لتسعدني وتُسعد معي.. نعم تزوجت بعد سنة ونصف من وفاة زوجتي وأنا أعيش حياة مريحة ونعمة الزوجة هي.
حدثنا عن طقوس الزواج فـي زمنك..
عن زواجي أقول وهذا ما كان في زمننا حيث الزوجة كانت تسكن مع أهل زوجها كابنة من الأسرة. كانت الزوجة تقوم بشؤون البيت مع أهله بالتعاون مع أم العريس،تغسل الملابس وتنظف الأواني وتأتي بالحطب والماء وتطبخ وما إلى ذلك.. لا شك من تنافس فيما بينهما ، حيث تعتبر أم العريس انه لا يجاري محبتها لابنها أكثر منها أي إنسان آخر حتى ولو كانت زوجته .
تغار عليه وتكره ان يشاركها بحبها له غيرها. في وقت تعتبر العروس انها أحق بزوجها من أي شخص كان وهو ملكها والأولى به ..هذا ما كان يحصل بين الحماة والكنه ،واعتقد انه الآن أصبح الأمر أخف وطأة حيث الأغلبية من العرسان يسكنون منفصلين عن أهاليهم مما يخفف من الاحتكاك المباشر وبالتالي من المشاكل والمناكفات.
وبالنسبة لزوجتي الأولى عندما تزوجتها وكنا كما ذكرت نعيش في بيت والدي لا شك وانه كان يحصل بعض الخلافات منها مثلا انه يجب على الكنة النهوض من النوم باكرا قبل طلوع الشمس لمساعدة الحماة ،فإذا ما طلعت الشمس وما زالت زوجة الابن نائمة تقوم المشاكل حيث يوجه اليها التوبيخ لماذا لم تستيقظ مبكراً لحلب الغنم والخَبْز وتحضير الفطور ..الخ. واذكر عندما توترت العلاقة بينهما وأصبحت المعيشة صعبة جاء الوالد وحل المشكلة بأن اقترح علي ببناء بيت بجانب بيتهم، حيث كان بيت الأهل من شعر، وذلك حتى أستقل أنا وزوجتي في بيتنا وتنتهي المشاكل، فكما يقول المثل (بارك الله في البيت إللي طلع منه بيت)..
ماذا عن طقوس طلب العروس من ذويها؟
شروط طلب العروس من أهلها لم يكن بالأمر السهل فلا بد ان يكون ابن عشيرتهم فتكون العائلة تعرفه وتعرف أصله وأهله، أما إذا كان العريس من خارج العشيرة فيتم السؤال عنه. أحياناً كانت هناك بعض التقاليد أن يعطوا البنت على الاسم، فمثلاً شخص من عشيرة أخرى وجيه وشيخ عشيرة إذا سمع عن ابنة شخص ما من بلد وعشيرة ثانية يذهب إلى أهلها ويطلبها من والدها، وحينها يقول والدها للشيخ (جَتَكْ) دون أن يشاورها أو أن يعرف عن العريس شيئا سوى أنه شيخ عشيرة حتى لو كان كبيراً في السن أو صغيراً .
هل كانت البنت تجبر على الزواج من شخص لا تريده؟
أحياناً يكون هناك ضغط على البنت للزواج من ابن عمها، وهناك مثل عند العرب يقول (ابن العم يحاول أن يأخذ العروس من البرذه!!) وهذه الحالة صدفت عند العجارمة، حيث أن شخصا أراد ابنة عمه زوجة له وهي لا تريده، وتزوجت من شخص آخر، وقامت بالركوب على الجمل وتم زفافها فزع عليها ابن عمها وأعمامها وقالوا بأن هذه البنت هم أولى بها، فحولوا الجمل إلى بيت ابن عمها وضغطوا على العريس الذي كان من المفترض أن يتزوجها بأن يقوم بتطليقها، وتركته وأخذت ابن عمها رغماً عنها.
هل خيانة الزوج او الزوجة كانت موجودة في زمنكم ؟
قليلا جدا ما كنا نسمع او نعرف ان أحد الزوجين خان .. خاصة خيانة الزوجة كانت نادرة جدا جدا لأنها تكون وهي تعرف انها قضت على حياتها ، فطوال حياتي لم أر ولم أسمع بأن سيدة تطلقت لأنها خانت زوجها لأن هذا ليس بالأمر السهل على الإطلاق.
هل الزواج الثاني سهل ..وهل من شروطه طلاق الزوجة الأولى؟
الزواج الثاني كان سهلاً جداً، وكان هناك مثل يقول (الرجل إللي ما يتزوج ثلاث نسوان أو أربع ما هو رجل)، والدي تزوج من ثلاث نساء، وأخي الأصغر مني سنا تزوج اثنتين، وأنا تزوجت اثنتين ولكن بعد أن توفيت زوجتي الأولى. وكان الرجل عندما يتزوج من أكثر من إمرأة كان يجعلهن يعشن مع بعضهن في نفس بيت الشعر،فالطلاق غير وارد ابدا في الزواج الثاني ولا حتى الثالث أو الرابع.
هل كانت اعراس زمان مختلطة؟ لم تكن مختلطة، فكان العرس في بيوت الشعر وكان أكثر الناس يتزوجون أيام الحصيد في الصيف وليس في الشتاء، حيث أن الشخص كان يتزوج بعد أن يبيع المحصول ويكون ذلك في الصيف، وكانوا يخرجون من ناعور، وناعور فيها بيوت ومغارات وأذكر أنه كان هناك من 5-6 عائلات يسكنون في مغارة واحدة كبيرة، وكانوا ينامون جميعهم مع بعضهم البعض في المغارة الكبيرة، ولكن كان هناك ثقة وأمان بينهم، وكانت سجية الناس في ذلك الزمان جيدة، وأخلاقهم عالية، وعندما يطفأ شعلة فتيلة الكاز كان يعم الظلام بحيث لا يرى أحد الآخر.
كانت الناس والجيران تحديدا وحدة واحدة في السراء والضراء ،حتى في وجبات الطعام كانت العائلة تطبخ وحدها أو يقومون بالطبخ مع بعضهم البعض. وكان الأكل عبارة عن شوربة عدس، أو جريشه تطبخ مع اللبن، وكان الرجال يأكلون مع بعضهم البعض والنساء وحدهن..
هل المشاكل التي كانت بين الحماة والكنة نفسها بين زوجات الرجل الواحد؟
المرأة مرأة سواء كنّ سلفات أو ضراير أو حماة وكنة ونحن كرجال نحكم على الظاهر والباطن لا يعلمه الا الله فيما تكن كل واحدة للأخرى من محبة أو ما شابه .. لكن ليس بالمستوى الذي نسمع عنه في هذه الأيام من كراهية وحقد وتدبير مقالب .. كانت الضرّة تتحمل ضرتها ولم يكن يستطعن عمل أي مشكلة، حيث كان الرجل في السابق مثل الشرطي إذا رأى أن بينهن سوء تفاهم فيقوم بحل هذا الأمر بالعصا وبالتخويف. فمن يريد أن يتزوج من أكثر من امرأة فيجب أن يكون رجلا ويستطيع أن يحكمهن، وهناك نساء أخلاقهن عالية وترضى بالعيش على الحلو والمر.
والعلاقات بين الجيران ؟
كان من جيراننا مسيحيون جاءونا من السلط من عشيرة الدبابنه والذين سكنوا عندنا، وللعلم أنا أهتم بالعشائر وجذورها، وابن شقيقتي والذي يعمل في جامعة الإسراء أطلب منه أن يزودني دائماً أي معلومات من الإنترنت عن العشائر والقبائل، وأتذكر أنه أحضر لي قبل أيام أوراقا وعندما تصفحتها وجدت أن شخصا من مسيحيي ناعور عندما جاءوا عام 1916 إلى ناعور، كتب ورقة ونشرها عبر الإنترنت بأنهم من عائلة الدبابنة وأنهم نزحوا إلى ناعور ويقول فيها عن كرم اهل ناعور واستقبالهم للضيف بغض النظر عن جنسه او ديانته.
فالعلاقات كانت حميمة جداً، فلم يكن هناك عنصرية دينية.
وكنا نعايد بعضنا البعض في الأعياد المسيحية والإسلامية. وعندما يتزوج شخص منهم نذهب للمشاركة معهم في الحفلات وهم أيضاً كذلك، فلم يكن هناك فارق بيننا.
ما هي اكثر المهن المتداولة في ذاك الزمن؟
هناك من كان يعمل لدى والده إذا كان والده يهتم بالزراعة وبالفلاحة، وكان هناك من دخل الجيش حيث كان الجيش في بداية تشكيله، ولم يكونوا يأخذون إلى الجيش على زمن كلوب باشا إلا أبناء البادية، وكان الأمن يأخذوهم من القرى والحضر، لكن الكتائب المحاربة من أبناء البادية، نحن لم نكن محسوبين من البادية، فكانت لنا الشرطة والفرسان، لكن عندما توسع الجيش فأصبحنا نستطيع الدخول في الجيش، وأنا دخلت في الجيش عام 1954، وكان عمري 19سنة وخدمت لمدة 27عاما وتقاعدت ملازما حيث عملت مكانيكي مدرعات والكترونيات في سلاح الصيانة.وكان ذلك في بداية عهد الملك الحسين بن طلال يرحمه الله وعملنا مراسم ونحن في مركز التدريب والملك الحسين رحمه الله نزل من المطار في ماركا وأخذونا لاستقباله.. وبعد تقاعدي اصبح لدينا مجلس عشائر العجارمة ولهذا المجلس اهتماماته وأهميته في قضايانا وقضايا المجتمع المحلي.
ونحن كعجارمة يوجد منا في حسبان وفي أم البساتين فمنطقة البلقاء نصفها عجارمه، وكلهم فخذ واحد. فنحن بدو في خلقنا واخلاقنا وعاداتنا ومبادئنا ،وحضر في المنطق السهل الطيب والمعاملة باحترام وتقدير مع كل الناس.
ما الرابط المشترك بين الفلاح والبدوي؟
البدو ينقسمون إلى قسمين، بدو حضري أي عشائري، فنحن العجارمه وبنو صخر والدعجة والحمايده كلنا من جذور جذام، وأصلنا من الحجاز، إلا اننا تأقلمنا في المدن وقرأنا في المدارس ونعتبر نصف فلاحين.. البادية كانوا بدوا رحّلا لا منطقة ثابتة يستقرون بها ، لكن الفلاحين مستقرون في الأرض، حيث يحرثونها ويهتمون بزراعتها. أيضاً عادات البدو الرحّل تختلف عن عادات الفلاحين، فهناك فوارق بينهما، فالذي يعمل في الصناعة كمهنة له، هؤلاء في السابق لا يتزوجون من أهل البادية فالصانع والحداد في الثلاثينات أو الأربعينات كان الناس لا يناسبوهم.. والبدوي لا يتزوج من فلاحة إلا ما ندر. فكان لديهم النظرة بأن الفلاحين لا يقومون بالغزو والغارات كما هم البدو في السابق، فكانوا يعتبرون الفلاح المتحفظ من هذه الأمور بأنه جبان.
بماذا انت فخور؟
فخور بالوطن .. فخور بعشيرتي وابنائي وزوجتي وفخور بأحفادي ال24حفظهم الله جميعا.
ما النتيجة التي خرجت بها؟ ان يكون الإنسان قنوعا بما أعطاه الله راضيا بقسمته ،وان يكون سعيه حلالا بجده واجتهاده
More
Information on World Elder Rights Issues
Copyright © Global Action on Aging
Terms of Use |
Privacy Policy | Contact
Us
|